مصحفي الوردي و الأفراح الصغيرة

بصفتي طبيبة وعالمة في مجال الوراثة، غالبًا ما يتمحور عملي حول فك رموز تعقيدات الحمض النووي (DNA) — و فهم كيف أن أصغر التغيرات في شيفرتنا الجينية يمكن أن تُشكّل من نكون.
لكن في كل عام، حين يحل شهر رمضان، تتحوّل أفكاري من عوالم العلم المعقدة إلى ما أسميه "الأفراح الصغيرة" والعميقة التي تُشكّل معاني حياتنا. ومن بين تلك الأفراح، هناك فرحة صغيرة راسخة في ذاكرتي: مصحفي الوردي.
حين كنت صغيرة، لم يكن من السهل العثور على مصحف بلون غير الألوان التقليدية كالأخضر. وكنت محظوظة حين تلقيت في أحد الأعوام مصحفًا ذا غلاف وردي — كان نادرًا في ذلك الوقت. لم يكن لونه فقط هو ما جعله مميزًا؛ بل أصبح رفيقًا دائمًا لي طوال رمضان، يُلازمني في تلاوات الفجر الهادئة وتأملاتي قبيل الإفطار، ثم، ذات يوم، فُقِد.
لا أذكر كيف حدث ذلك، لكنني أتذكر جيدًا شعور الفقد. وكأن جزءًا من روتيني، من هويتي، قد اختفى. بحثت عنه في كل مكان، لكنه لم يعد. وشعرت بأن رمضان في ذلك العام كان مختلفًا. صحيح أنني واصلت قراءة القرآن، لكن شيئًا ما كان مفقودًا. ضياع ذلك المصحف الوردي، رغم بساطته في نظر الآخرين، كان له وقع ثقيل على قلبي.
ومضت السنوات. استمرت الحياة في مسارها. خلال دراستي لعلم الوراثة، تعلّمت أن الحياة مليئة بالأنماط — بعضها عشوائي، وبعضها ذو دلالات عميقة، تماماً مثل أحداث الحياة. في لحظة بدت وكأنها صدفة مليئة بالمعنى، أهدتني زوجة أخي مصحفًا ورديًا آخر. كان مطابقًا تمامًا للمصحف الذي فقدته. نفس اللون، نفس الحجم، حتى ملمس الصفحات كان كما أذكره. لم أُصدّق حظي. وإلى اليوم، ما زلت أحتفظ بذلك المصحف. وفي كل رمضان، حين أمسكه بين يديّ، أتذكّر أن السعادة غالبًا ما تكمن في أبسط الأشياء: كلمة طيبة، رائحة مألوفة، دفء ذكرى.
يُخبرنا العلم أن أدمغتنا مبرمجة للعثور على الفرح في اللحظات غير المتوقعة، وفي المكافآت الصغيرة التي تُطلق في داخلنا دفعة من “الدوبامين” تمامًا كما يفعل العثور على شيء مفقود بإعادة موجة من الراحة والحنين.
في المنظور العام للحياة، قد لا يكون مصحفي الوردي سوى كتاب.
لكن في عالم الأفراح الصغيرة، هو رمز لكيف يمكن للأشياء الصغيرة أن تحمل في طياتها معاني عظيمة.
في عالم يدفعنا باستمرار نحو تحقيق إنجازات أكبر وطموحات أعظم، أحيانًا تكون الانتصارات الهادئة، كعودة شيء فقدناه، أو روتين قديم نسترجعه هي التي تجلب لنا أعمق أنواع السعادة.
في رمضان هذه السنة، بينما أقلب صفحات مصحفي الوردي من جديد، أتذكّر أن الحياة، مثل علم الوراثة، سلسلة من الأنماط — بعضها يمكن التنبؤ به، وبعضها يُفاجئنا بأجمل الطرق.

